أخبار كندا العربية
أخبار
منشور: مايو 12, 2025
في المهجر، حيث تتقاطع الثقافات وتتلاقى الهويات، تتجلى ظاهرة تغييب الوعي بشكل غير مسبوق. هنا، تصبح المفاهيم مقلوبة رأسًا على عقب؛ فيتحول الشريف إلى ملوث، والساقط إلى نظيف، وتختلط الحقائق بالأكاذيب. إنه عالم تتعايش فيه المتناقضات، حيث تجد هذه الظاهرة أرضية خصبة للنمو والتمدد.
من الأدوات الأمنية إلى الجريمة المنظمة
في ظل العولمة والتكنولوجيا المتسارعة، تتزايد مظاهر تغييب الوعي بشكل مقلق، حيث لم تعد هذه السلوكيات حكرًا على جهات متنافسة تلجأ إلى عملية الإسقاط وتعتمد هذه الأساليب في السيطرة على الأفراد واختراق المجتمعات في إطار الصراعات والرغبات المتعارف عليها في تحييد المجتمعات والسيطرة عليها.
بل أصبحت هذه السلوكيات جزءًا من واقع مجتمعي معقد تُغتال فيه الطموحات وتطلعات الأفراد واستقرارهم النفسي. الهدف هنا هو تطويع الأفراد أو شل قدراتهم من خلال أفراد وجماعات إجرامية فاشلة ووضيعة ورخيصة، تستغل هشاشة المهاجرين، خاصة في المجتمعات المهاجرة التي تعاني من التشتت الثقافي والاجتماعي.
المهجر.. البيئة الخصبة للتناقضات
في ظل الانشغال بتحديات الحياة، يغيب عنا أن الهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي تجربة تحمل معها تحديات ثقافية واجتماعية. بيئة المهاجرين تتسم بالتنوع والاختلاف، مما يفتح المجال لتشكل أرضية خصبة لتغييب الوعي.
لكن هذا الواقع لا يمكن اعتباره عفويًا؛ فهو مدروس ومبرمج لتحقيق أهداف غير معلنة لكنها مرئية ومتابعة. هنا يحتار المرء في خريطة تقاطعات الشر التي تديرها جهات خفية، تستغل هشاشة ترابط المهاجرين وانشغالهم بتحديات الحياة اليومية.
أساليب تغييب الوعي في المهجر
في هذا العالم المتشابك، تُستخدم أساليب نفسية واجتماعية معقدة لاستهداف الأفراد ذوي المبادئ، وتشمل هذه الأساليب:
التشهير والتشويه:
يتم نشر الأكاذيب والافتراءات بشكل ممنهج بهدف تشويه السمعة الشخصية والمهنية للأفراد الملتزمين بالمبادئ، خاصة أولئك الذين يصعب تطويعهم أو شراء توجهاتهم وذممهم.
الهدف هنا هو ضرب مصداقيتهم في مقتل، بحيث يتم التشكيك في أعمالهم وجهودهم، ثم وأد فكرتهم التوعوية والإبداعية في مهدها قبل أن تنتشر.
هذه الأساليب تتعمد استغلال نقاط الضعف، وتضخيم الشائعات لتتحول إلى رأي عام يفترس فكر العامة ويشغلهم بالتوافه، مما يجعل الشخص المستهدف عاجزًا عن الدفاع عن نفسه في ظل طوفان الشائعات.
الأهداف:
الأول: التخلص من حامل راية نشر الوعي لضمان استمرارية جهل المجتمع والسيطرة عليه وتغييب وعيه.
الثاني: عدم إفساح المجال للنماذج الإبداعية لأخذ دورها، وإشغالها بالأمور الثانوية التي تهدر طاقتها، وبالتالي ضمان عدم فعالية تأثيرها.
تجنيد العنصر النسائي:
من المؤكد أنه يتم توظيف العنصر النسائي من الساذجات في الترويج لفكرة الإطاحة بالنماذج الإبداعية.
كما يتم تشغيل النساء في نشر الشائعات والعمل على إسقاط أدوات خادمة لهذه الأفكار الشيطانية، مما يضمن تشويه الشخصيات الملتزمة وضرب مصداقيتها.
العزل الاجتماعي:
خلق أجواء من العداء والعزلة حول الشخص المستهدف، مما يؤدي إلى تهميشه ونبذه اجتماعيًا.
يُستخدم في ذلك أسلوب الإقصاء المنظم، حيث يتم التلاعب بالحقائق وإشاعة الأكاذيب لإفقاد الضحية دعم المجتمع المحيط.
استغلال التكنولوجيا:
نشر الشائعات والمعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يساهم في خلق بيئة افتراضية ملوثة بالأكاذيب.
حملات منظمة يقودها أفراد مجهولون أو مجموعات مدفوعة بأجندات محددة.
اذاً ما العمل؟
يتطلب التصدي لهذه الظاهرة إرادة مجتمعية قوية، تتجسد في:
تعزيز الوعي المجتمعي والثقافي:
إقامة ورش عمل ومبادرات تركز على الحفاظ على الهوية الأصيلة.
تنظيم ملتقيات ثقافية وفكرية لتعزيز روح التفاهم.
التربية على النقد:
تعليم الأفراد كيفية التحقق من صحة الشائعة قبيل نشرها.
تطوير برامج تدريبية للشباب والنساء لتعزيز مهارات التحقق من الأخبار.
تشجيع الحوار المفتوح:
تعزيز ثقافة الحوار البناء كوسيلة لتقريب وجهات النظر.
إطلاق منصات مجتمعية آمنة لمناقشة القضايا بشكل شفاف.
إطلاق مبادرات توعوية:
التركيز على فئة الشباب والنساء باعتبارهم الأكثر عرضة لتأثير الشائعات.
تنظيم حملات توعوية تفاعلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجذب اهتمام الشباب وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الهوية والقيم.
إقامة فعاليات توعوية محلية تحت شعار “التفكير النقدي لمجتمع واعٍ في المهجر”.
في الختام لا يسعني القول إلا أن التصدي لتغييب الوعي في المهجر يتطلب تكاتف الجهود المجتمعية والفردية من أجل بناء مجتمع متماسك يتمتع بالوعي الثقافي والنقدي، ويستطيع أن يقف في وجه مروجي الشائعات ويصد أهدافهم الخبيثة.
من خلال تعزيز الحوار المفتوح، وتشجيع التفكير النقدي، وتكثيف المبادرات التوعوية، يمكن تقليل تأثير حملات التضليل والشائعات التي تستهدف المجتمع.
تبقى الحكمة والوعي هما السلاح الأقوى لمواجهة خفافيش الظلام التي تحاول بث الفرقة وتغذية الانقسامات في المجتمعات المهاجرة.
التعليقات