أخبار كندا العربية
أخبار
منشور: يونيو 24, 2025
في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار وتتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والافتراء، زمن الرزايا والهفايا وأدوات السقوط والخيانة، أصبحت الشائعة واحدة من أخطر الأدوات التي تهدّد تماسك الجاليات في المهجر. فهي لا تزرع الشك والانقسام فحسب، بل تُقوّض الثقة، وتُحاصر النجاحات، وتُحوّل المجتمعات المتماسكة إلى ساحات صراعات خفية ومفتعلة.
ولعلّ الأخطر من ذلك أن ناشري الشائعات باتوا يتحرّكون بطريقة منظمة وخبيثة، تستهدف الأفراد والمؤسسات، بغرض الإيذاء الشخصي أو التشويه الفكري والسلوكي الجماعي. إنهم يعملون على تضييق مساحات النجاح، وبثّ اليأس، وضرب المصداقية، باستخدام المال وأدوات حديثة وغطاءات مجتمعية تسهّل التسلل إلى العقول والبيوت من دون مقاومة تذكر. وهنا، يبرز تساؤل كبير: من هؤلاء؟ وما هي الروابط التي تحرّكهم؟ وهل هناك أجندات خفية تموّل وتدير هذا الانحطاط المنظّم؟
الشائعة… سلاح يضرب في الظلام
ليست الشائعة مجرّد “خبر كاذب”، بل هي منظومة متكاملة لبثّ التضليل، تُبنى على استغلال مشاعر الخوف والقلق والفضول. تنتشر في مجتمعات المهجر بشكل أسرع من النار في الهشيم، خاصة في ظل ضعف التواصل الرسمي وهشاشة الثقة بين الأفراد. تنتقل من مجموعات “الواتساب” إلى “الفيسبوك”، ومن المقاهي إلى البيوت، ثم إلى العقول، لتصبح في غضون ساعات “حقيقة” لا تقبل الشك أو النقاش.
لماذا الجاليات في المهجر أكثر عُرضة للشائعات؟
القلق الوجودي والاغتراب:
أبناء الجاليات يعانون من شعور دائم بالهشاشة، ما يجعلهم أسرى لأي معلومة تبدو كأنها تمس أمنهم أو استقرارهم، ولو كانت كاذبة.
غياب المصادر الموثوقة بلغتهم:
في ظل غياب الإعلام المهني الناطق بلغات الجاليات، يتم ملء الفراغ من قبل أفراد غير مؤهلين، أو أصحاب أجندات خفية.
الثقافة الشفوية والعاطفية:
تُستقبل المعلومات في كثير من الأحيان بعاطفة لا بعقل، وتُكرّس مقولات مثل “لا دخان بلا نار”، فيتم اغتيال الشخصيات بلا محاكمة.
الآثار المدمرة للشائعة على المجتمعات
ضرب الثقة والنسيج الاجتماعي:
تُستخدم الشائعات كأداة للشيطنة والافتراء، لا سيما ضد من يرفضون الانصياع أو ينجحون خارج الإطار التقليدي، مما يؤدي إلى تفكك العلاقات وتفشي الكراهية والريبة.
تشويه السمعة وتدمير الإنجازات:
ضحايا الشائعات يُعانون من العزلة والتهميش، وقد يفقدون عملهم أو شركاءهم أو سمعتهم، حتى لو ثبتت براءتهم لاحقًا. أما إذا كانوا واعين ومدرّبين، فإنهم يُحسنون الرد ويقلبون الطاولة على رؤوس خصومهم.
ترسيخ التمييز والانقسام:
حين تُغذّي الشائعة الصور النمطية، فإنها تتحول إلى أداة بيد المتطرفين أو المرتبطين بأجندات سياسية خفية، فيُعاد إنتاج خطاب الكراهية والفرقة.
المخاطر الأمنية والقانونية للشائعات
في بعض الحالات، تتحول الشائعة إلى بلاغ كاذب أو أداة لإثارة الذعر. فكم من شائعة تسببت في هلع داخل الجالية، وكم من عائلة اتخذت قرارات مصيرية استنادًا إلى معلومات لا أصل لها! هذا النوع من الشائعات يُضعف ثقة الناس بالمؤسسات، ويقوّض الاستقرار العام، ويزيد من احتمالات الاحتكاك السلبي مع السلطات.
التحصين المجتمعي: كيف نواجه هذا السمّ؟
ضرب منابع الشائعات بلا رحمة:
لا بد من تسمية الأمور بأسمائها، وكشف مروّجي الشائعات وتعريتهم، دون مجاملة أو تردد. فالصمت جريمة شراكة.
إطلاق منصات إعلامية مجتمعية موثوقة:
وجود مصادر مهنية وموضوعية بلغات الجاليات أمر بالغ الأهمية في ملء الفراغ الإعلامي ومجابهة الأكاذيب.
تعزيز ثقافة التحقق من المصدر:
يجب ترسيخ عادات التثبت قبل النشر، خاصة في أوساط الشباب، مع التذكير بأن من يُعيد نشر الكذب يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية.
استعادة الثقة داخل المجتمع:
الشفافية، الحوار، التحقق من المعلومة ، وقيم الاحترام المتبادل يجب أن تكون أساس العلاقة بين أفراد الجالية، لا الولاءات الفردية أو المصالح الضيقة.
توعية قانونية صارمة:
لا بد من شرح العواقب القانونية لنشر الشائعات، والتشهير، وإثارة البلبلة. حرية التعبير لا تبرر الفوضى أو القذف أو الإيذاء.
الشائعة خيانة صامتة، ومقاومتها شرف لا يُشترى ولا يُباع
النجاح في المهجر ليس جريمة. والاختلاف ليس خيانة. أما مقاومة الشائعة، فهي ليست ترفًا، بل شرف وانتماء ومسؤولية لا تقبل التأجيل.
فليخسأ الخاسئون، وليصمت أدوات التضلـيل وناشرو الشائعات من أتباع الانبطاح والسقوط، وأيتام الكرامة الذين لا يرون في النجاح إلا تهديدًا، ولا في الاختلاف إلا عارًا.
الخزي والعار لكل متواطئ يُمعن عمدًا في تعميق آلام وأوجاع المهاجرين، بدل أن يضمدها أو يسعى إلى التخفيف منها.
سيبقى العمل الحر والجهد الشريف نبراسًا وعنوانًا للكبرياء والشموخ.
وستظل الكلمة الصادقة أقوى من الشائعة، والإرادة النزيهة أرسخ من حملات التشويه، والمجتمع الواعي أصلب من الطابور الخامس وأخطر عليه من كل المؤامرات القذرة التي تقودها حفنة من أيتام العزة والكرامة والهوية—أولئك الذين فقدوا البوصلة، ولا يدركون معنى الانتماء ولا شرف الاعتزاز برفعة العقيدة وسمو المبادئ.
التعليقات