أخبار كندا العربية
أخبار
منشور: مايو 24, 2025
دولة رئيس الوزراء،
الغزاوي ليس رقمًا في نشرات الأخبار، ولا مشهدًا عابرًا في تقارير الحرب. الغزاوي إنسان عاشق للحياة — له وجه، واسم، وقلب ينبض رغم كل الدمار ورغم كل ما يُسحق من حوله.
هو الطفل الذي فقد مدرسته، والأم التي تنام وهي تحتضن أبناءها خوفًا من غارات القتل الوحشية، والطبيب الذي يُجري العمليات الجراحية تحت ضوء الهاتف المحمول، والعجوز الذي انتظر شاحنة المساعدات ولم تأتِ ومنعها جيش الاحتلال.
لقد مرّت شهور طويلة منذ أن بدأت هذه الحرب المجنونة، وها نحن نشهد يومًا بعد يوم ارتفاع عدد الضحايا الأبرياء، وسط حرب مجاعة خانقة، حيث النقص الفادح في الغذاء والدواء، والانهيار الكامل للبنى التحتية، والتهجير القسري الداخلي لأسر مسحوقة، لا تملك سوى مفتاح البيت وصورة على الجدار.
أما الأطفال، الذين لم يعرفوا من الطفولة سوى أصوات الطائرات والانفجارات والقتل والدم وأشلاء الأحلام، فقد باتوا ينامون وهم يتساءلون إن كانوا سيستيقظون في الصباح وهل تبقى لهم حياة!.
نامت أحلامهم تحت الركام، وكبرت أسئلتهم قبل أوانها:
لماذا نموت؟
لماذا لا يصل الحليب؟
لماذا لا يفتح المعبر؟
لماذا لا يسمعنا أحد؟
حتى الأطباء، أولئك الذين يواصلون عملهم الإنساني تحت القصف، باتوا يعيشون الفاجعة بلا رحمة. لا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى منازلهم ليجدوا أبناءهم أحياء، أم سيُفجعون برؤيتهم جثثًا تحت الأنقاض، أو في ثلاجات الموتى، أو هامدين في سيارات الإسعاف.
في غزة، لا أحد في مأمن — لا الأطباء، ولا الأطفال، ولا حتى الأحلام الصغيرة التي لم تُولد بعد.
ومع كل هذا، لا تزال أصوات الضحايا محاصَرة، والضمير العالمي غارقًا في الحسابات الباردة.
دولة رئيس الوزراء،
نحن هنا نناشدكم بالنظر إلى هذا الوضع الكارثي بنظرة إيجابية، فاعلة، ونافذة — الآن، دون تأخير.
نحن لا نحمّلكم مسؤولية هذا الجحيم، لكننا نحمّلكم مسؤولية اتخاذ موقف يليق بكندا، ويعكس مبادئها التي تأسست على حماية الحياة الإنسانية، والدفاع عن كرامة الإنسان وحقه في الأمان والنجاة.
إنه الموقف الذي يمكن أن يبدّل مجرى الأمور، ولو بخطوة إنسانية واحدة، ولو بصوت عالٍ يقول للعالم — استكمالًا لموقفكم المبدئي الذي اتخذتموه مؤخرًا جنبًا إلى جنب مع فرنسا وبريطانيا، والذي لاقى استحسانًا كبيرًا:
ما يحدث في غزة ليس مجرد صراع سياسي — إنه مجزرة مستمرة بحق القانون الدولي والإنساني، ويجب أن تتوقف.
لقد حان الوقت — بل تأخر الوقت — لتقولوا بوضوح:
الغزاوي إنسان يستحق الحياة.
يستحق أن يأكل، أن يتعلم، أن ينجو، أن يحلم — لا، بل يجب أن ينال حريته، ويحصل على الحياة التي يستحقها، كما يستحقها كل شعب وُلد على أرضه، متمسكًا بكرامته وهويته.
لذلك، وبصفتي رئيسًا لتحرير عرب كندا نيوز، أوجه رسالتي هذه إلى ضميركم الحي، مناشدًا اتخاذ خطوات عملية عاجلة لتسهيل مجيء العائلات الغزاوية العالقة في القاهرة — دون استثناء، ودون أي تعقيدات بيروقراطية — والعمل بجدية على إنقاذ الأسر المتبقية في غزة ممّن لهم أقارب في كندا، ومنحهم مساحة من الاحتضان الإنساني الذي يوفر لهم الأمان، ويمنحهم القدرة على البدء بحياة جديدة سوية، تصنع الأمل، وتخرجهم من دوامة اليأس والبؤس والوجع والألم.
إنها خطوة تحمل معاني أكبر من مجرد إجراء إداري — إنها رسالة أمل، تأكيد على أن خيارات كندا كانت دائمًا في صفّ الإنسان، وأن إنسانيتكم محل تقدير ولن تخيب ظننا.
هذه المبادرة، إن تحققت، ستكون حاضنة حقيقية تمنح الناجين فرصة لبدء حياة جديدة، تستحقها كل روح بشرية، كما تؤمن بذلك كندا من خلال دفاعها الدائم عن الحق الإنساني في الحياة والكرامة.
فالتعقيدات التي يواجهها أهلنا في الإجراءات، من تأخير، وغموض، وقيود غير مبررة، لا تزيد إلا من جراحهم وآلامهم. وهم لا يحتاجون اليوم إلى كلمات تضامن فقط، بل إلى قرار شجاع، حكيم، وفعّال.
ونحن نثق أنكم قادرون على اتخاذ هذا القرار — الآن، قبل أن يتأخر الأوان.
زهير الشاعر
رئيس تحرير عرب كندا نيوز
أوتاوا – مايو 2025
التعليقات