مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية الكندية في عام 2025، حيث تفصلنا ساعات محدودة عن البدء بفتح صناديق الاقتراع، تبدو هذه المحطة السياسية واحدة من أكثر اللحظات مفصلية في تاريخ كندا المعاصر.

انتخابات تأتي وسط تحولات سياسية واجتماعية وتعليمية وثقافية كبرى، وتحديات اقتصادية وتجارية محلية ودولية متزايدة، ما يجعل من كل صوت مسؤولية وطنية وأمانة أخلاقية، ومن كل مشاركة فعل تأثير حقيقي في رسم مستقبل البلاد الذي تمثل الجالية العربية والإسلامية جزءاً أصيلاً عبر الأجيال من نسيجها.

مشاركة الجالية: ضرورة حتمية لا خيار فيها

لقد آن الأوان لأن تأخذ الجالية العربية والإسلامية مكانها الطبيعي في تقييم موقعها وتأثيرها في المشهد السياسي الكندي.

لم يعد كافيًا أن نكتفي بالمراقبة أو الاكتفاء بالتعليق عن بُعد؛ فالحضور الفعّال يبدأ من صناديق الاقتراع.

كما أن المشاركة القوية والمنظمة لا تعبر فقط عن الانتماء، بل تساهم فعليًا في حماية مكتسباتنا، والدفاع عن حقوقنا وثقافتنا وعقيدتنا وهويتنا، وترسيخ حضورنا في معادلة القرار الوطني، ومعرفة قوة وحدتنا وتأثير مشاركتنا، وبالتالي تشجيع الاهتمام بوجودنا وتحفيز عملية الاستثمار في طاقاتنا الإبداعية على كل الصعد.

نحن لسنا مجرد أرقام انتخابية عابرة، ولا يجب أن يُنظر إلينا بهذه الطريقة.

نحن أفراد وكتل وجماعات أمينة وصادقة، إن أتيحت لها الفرصة، أخذت دورها بكل كفاءة في المساهمة بالبناء والإبداع والتطور، والمشاركة في صياغة مستقبل المؤسسات الوطنية.

اختيار الأفضل: مسؤولية نابعة من الإيمان لا التوجيه

ان التصويت في هذه الانتخابات القادمة ليس مجرد حق قانوني، بل هو واجب أخلاقي تجاه أنفسنا، وتجاه وطننا، وتجاه أبنائنا ومستقبل أجيالنا.

إن اختيار من يمثلنا لا يجب أن يقوم على العواطف العابرة أو الوعود الرنانة، بل يجب أن يكون قائماً على أسس متينة: الكفاءة، النزاهة، احترام حقوق الإنسان، الإيمان بقيم التنوع والانفتاح، ودعم تحقيق المصلحة العامة، وحماية الهوية والثقافة، وضمان الوحدة المجتمعية، ودعم قضايانا المصيرية والاعتراف بحقوق هويتنا اعترافاً واضحاً وصريحاً.

يجب أن يكون قرارنا مبنيًا على الإيمان الواعي، لا على التوجيه والاستقطاب أو التأثير العابر.

علينا أن نصوّت لمن يحمل قيمنا، ويدافع عن حرياتنا، ويؤمن أن قوة كندا تكمن في احتضانها لجميع أبنائها دون استثناء أو تهميش.

صوتك ليس فقط وسيلة للاختيار، بل هو صرخة في وجه الظلم والإقصاء وانكار الحق، وإعلان واضح بالانحياز إلى قيم العدالة، والحرية، والكرامة الإنسانية الجامعة وغير المجتزئة.

الانتخابات المنتظرة: امتحان للوعي الجمعي

إن قوة الجالية العربية والإسلامية في كندا لا تقاس بعددها فقط، بل بقدرتها على تحويل مسارها التوعوي ووجودها،  إلى تأثير حقيقي وفاعل في القرار السياسي وفي تعزيز البنية المجتمعية المتماسكة، لا تلك الموجهة أو المطوعة لأجندات ضيقة تجعل منها وقودًا لصراعات أيديولوجية وانتخابية.

فالوجود العددي، مهما بلغ، لا يكفي ما لم يتحول إلى صوت واعٍ، صوت هادر، صوت مؤثر، صوت يُحسب له حساب؛ وإلى رأي مسموع، ومشاركة حقيقية في رسم السياسات وصياغة ملامح المستقبل.

إن الانتخابات المنتظرة هي امتحان لهذا الوعي الجمعي:

فبقدر مشاركتنا، بقدر ما نصنع مستقبلنا، ونشارك في رسم ملامح كندا التي نؤمن بها جميعًا — كندا العدالة والمساواة والفرص المتكافئة للجميع، كندا التي لا تُقصي أحدًا ولا تهمش أي شريحة، بل تحتضن الجميع تحت مظلة واحدة، لتكون كندا لكل أبنائها، قوية، متماسكة، وعصية على الانقسام والتفكك والتبعية.

رسالة الختام: صوتنا يصنع كندا

أيها الأحبة،

صوتكم أمانة وقوة وإرادة وعزيمة لا تستهان بها.

صناديق الاقتراع تنتظر خطواتكم، تنتظر مبادراتكم، تنتظر مشهد وحدتكم ومشاركاتكم، لتقولوا بصوت عالٍ: نحن كنديون لنا وجودنا وتأثيرنا وقوة حضورنا، ولسنا حمولة زائدة.

فلا يجوز ولن يكون مقبولًا أن ينظر إلينا أي طرف وكأننا خارج فسيفساء هذا الوطن الرائع.

نحن جزء حي من هذه الأرض، نؤثر فيها ونتأثر بها، نحبها وتحبنا، ننتمي إليها كما تحتضننا، ولنا عليها حقوق كما أن علينا تجاهها واجبات.

لا تسمحوا لأحد أن يقرر مصيركم دونكم.

ايها الأحبة ، لتكن مشاركتكم اليوم رسالة واضحة: نحن كعرب ومسلمين كنديين هنا، ونحن شركاء كاملون في بناء كندا العادلة، الحرة، والموحدة.

عاشت الجالية العربية والإسلامية، عاشت كندا عزيزة، حرة، عصية وقوية.